الظَّبْىُ الذكى
فِى يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ كَانَ الظَّبْىُ يَتَدَرَّبُ عَلى الْوَثْبِ ، وَرَأَتْهُ الضَّبُعُ ، وَرَآهَا ؛ فَهَرَبَ مِنْهَا ، وَجَرَتْ وَرَاءَهُ ، وَوَثَبَ فَوْقَ صَخْرَةٍ ، وَحَاوَلَتْ أَنْ تَثِبَ مِثْلَهُ ؛ فَوْقَعَتْ فَوْقَ الصَّخْرَةِ ، فَتَوَقَّفَ الظَّبْىُ عَنِ الْهَرَبِ ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا ؛ فَضَحِكَ مِنْهَا ، وَاغْتَاظَتِ مِنْهُ ، وَقَالَتْ لَهُ : أَنْتَ الْيَوْمَ تَضْحَكُ مِنِّى كَثِيرًا ، وَغَدًا سَوْفَ أَجَعَلُكَ تَبْكِى عَلَى نَفْسِكَ كَثِيرًا ، فَقَالَ لَهَا : لَنْ تَسْتَطِيعِى ؛ فَأَنَا رِيَاضِىٌّ نَشِيطٌ ، وَأَنْتِ كَسْلاَنَةٌ ، وَغَيْرُ رِيَاضِيَّةٍ .. وَتَرَكَهَا الظَّبْىُ ، وَانْصَرَفَ عَنْهَا مَسْرُورًا بِنَجَاتِهِ مِنْهَا .
وَفِى الْيَوْمِ التَّالِى ، وَبَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ هَبَطَ الظَّبْىُ مِنَ الصَّحْرَاءِ إِلَى مَزْرَعَةٍ كَبِيرَةٍ ؛ فَأَخَذَ يَرْعَى مِمَّا عَلَى حَافَّةِ التُّرْعَةِ مِنْ نَبَاتَاتٍ ، وَكَانَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَيْنَ حِينٍ ، وَآخَرَ ؛ لِيَحْتَرِسَ مِنَ الضَّبُعِ ، وَهُوَ يَعْرِفَ أَنَّهَا تَبْحَثُ عَنْهُ . وَفَجْأَةً أَحَسَّ بِحَيَوَانٍ مُخْتَبِئٍ بَيْنَ النَّبَاتَاتِ الْعَالْيَةِ ؛ فَتَأَمَّلَهُ ، فَإِذَا الضَّبُعُ الَّتِى كَانَتْ تُطَارِدُهُ بِالأَمْسِ قَدْ وَرَّطَتْهُ حِينَ اخْتَبَأَتْ وَرَاءَهُ بَيْنَ النَّبَاتَاتِ ؛ فَتَوَرَّطَ ، وَحَاوَل أَنْ يَهْرُبَ مِنْهَا ؛ لِيَعُودَ إِلَى الصَّحْرَاءِ ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ ؛ لأَنَّهَا كَانَتْ تَحُولُ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ الصَّحْرَاءِ .
أَخَذَ الظَّبْىُ يُفَكِّرُ ؛ فَرَأَى التُّرْعَةَ أَمَامَهُ ، وَطَالَ تَفْكِيرُهُ .. وَاقْتَرَبَتْ مِنْهُ الضَّبُعُ ، وَابْتَسَمَتْ لَهُ ، وَقَالَتْ لَهُ : أَيُّهَا الظَّبْىُ ، لَقَدْ فَهِمْتُ أَنَّكَ لَنْ تَفْلِتَ مِنِّى ؛ لِتَنْجُوَ .. فَالتُّرْعَةُ مِنْ أَمَامِكَ ، وَأَنَا مِنْ وَرَائِكَ ، وَلَنْ تَسْتَطِيعَ أَنْ تَطِيرَ فِى الْجَوِّ .. أَعَرَفْتَ ؟ وَكَانَ الظَّبْىُ قَدْ فَهِمَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِهِ الضَّبُعُ ، وَظَلَّ يُفَكِّرُ ، وَيَقُولُ : التُّرْعَةُ أَمَامِى ، وَالضَّبُعُ وَرَائِى ، وَ لَيْسَ لِىَ جَنَاحَانِ أَطِيرَ بِهِمَا .. فَيَارَبِّ ، مَاذَا أَفْعَلُ ؟ وَكَيْفَ أَنْجُو مِنْ هَذِهِ ، وَمِنْ تِلْكَ ؟
فَكَّرَتِ الضَّبُعُ جَيِّدًا ، وَمَا فَكَّرَتْ فَيهِ جَعَلَهَا تَفْهَمُ أَنَّ الظَّبْىَ لَنْ يَفْلِتَ مِنْهَا ؛ فَهِىَ مِنْ أَمَامِهِ ، والتُّرْعَةُ مِنْ وَرَائِهِ .. وَفَكَّرَ الظَّبْىُ جَيِّدًا ، وَمَا فَكَّرَ فِيهِ جَعَلَهُ يَفْهَمُ أَنَّهَا لَنْ تَهْجُمَ عَلَيْهِ بِسُرْعَةٍ ؛ فَهُوَ يَعْرِفُهَا كَسْلاَنَةً : تُرْجِئُ مَا تُرِيدُ عَمَلَهُ ، وَتُؤَجِّلُهُ .. وَفَكَّرَ الظَّبْىُ فِى أَمْرٍ ثَانٍ ؛ فَفَهِمَ أَنَّهُ لاَ سَلاَمَةَ فِى الاسْتِسْلاَمِ ، وَفَكَّرَ فِى أَمْرٍ ثَالِثٍ جَعَلَهُ يَطْمَئِنُّ إِلَى أَنَّهُ سَيَنْجُو مِنْهَا ؛ فَهِىَ لاَ تُحْسِنُ الْوَثْبَ ، وَلاَ الْقَفْزَ مِثْلَهُ .. وَلكِنَّهَا تُحْسِنُ أَنْ تَجْرِىَ ، وَتَجْرِىَ ، وَلاَ تَتْعَبَ .
تَمَهَّلَتِ الضَّبُعُ ، وَتَكَاسَلَتْ ، وَلَمْ تُفَكِّرْ جَيِّدًا ؛ فَأَتَاحَتْ لِلظَّبْىِ وَقْتًا ؛ لِيُفَكِّرَ فِيهِ ، فَفَكَّرَ ، وَأَخَذَ يَلْتَفِتُ بِوَجْهِهِ يَمْنَةً ، وَيَسْرَةً ؛ فَفَهِمَ الْحَلَّ ، وَقَرَّرَ أَنْ يَهْرُبَ مِنْهَا ، وَلَيْسَ إِلَى الصَّحْرَاِء ؛ لِئَلاَّ تَلْحَقَ بِهِ إِذَا تَعِبَ ، وَرَأَى أَنْ يَعْتَذِرَ لَهَا عَمَّا حَدَثَ مِنْهُ بِالأَمْسِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الضَّبُعَ تَتَذَكَّرُ مَا حَدَثَ ، وَأَنَّهَا مَا زَالَتْ غَضْبَانَةً مِنْهُ ، فَقَالَ : أَنَا آسِفٌ لِمَا حَدَثَ مِنِّى بِالأَمْسِ ؛ فَلَمْ تَحْتَجْ إِلَى أَنْ تَسْتَفْهِمَ مِنْهُ عَمَّا حَدَثَ ، بَلْ صَاحَتْ بِهِ : لَقَدْ ذَكَّرْتَنِى مَا كُنْتُ قَدْ نَسِيتُهُ .. أَأَنْتَ الَّذِى فَعَلْتَ بِى مَا فَعَلْتَهُ بِالأَمْسِ ، وَأَوَقَعْتَنِى ، وَسَخِرْتَ مِنِّى ؟ فَلَمْ تَنْتَظِرِ الضَّبُعُ قَلِيلاً ، وَلاَ كَثِيرًا ، بَلْ سَارَعَتْ إِلَى الْهُجُومِ عَلَيْهِ ، وَسَبَقَهَا الظَّبْىُ إِلَى الْقَفْزِ ، وَاتَّجَهَ نَاحِيَةَ الْيَمِينِ ، وَجَرَى عَلَى حَافَّةِ التُّرْعَةِ ؛ فَجَرَتْ وَرَاءَهُ .
ظَلَّتِ الضَّبُعُ تُطَارِدُ الظَّبْىَ ، وَلَمْ يَشَأْ الظَّبْىُ أَنْ يَسْبِقَهَا كَثِيرًا فِى الْجَرْىِ ؛ لِيُطْمِعَهَا فَيهِ ؛ وَلِئَلاَّ تَلْتَفِتَ بِوَجْهِهَا إِلَى شَىْءٍ غَيْرِهِ ، فَكَانَ يَلْحَظُهَا مِنْ وَرَائِهِ ؛ لِيَحْتَرِسَ مِنْهَا ، وَلِيُوَرِّطَهَا مِثْلَمَا وَرَّطَتْهُ ؛ فَتَطِيحَ فِى التُّرْعَةِ ، وَلَمْ تَكُنِ الضَّبُعُ تَلْتَفِتُ بِوَجْهِهَا يَمْنَةً ، وَلاَ يَسْرَةً ؛ لِئَلاَّ يَفُوتَهَا الظَّبْىُ بِمَسَافَةٍ كَبِيرَةٍ ، وَزَادَتِ الضَّبُعُ مِنْ سُرْعَتِهَا ؛ فَلَمْ تَلْحَقْ بِهِ ، فَنَادَتْهُ : أَيُّهَا الظَّبْىُ ، قِفْ ؛ فَلَمْ يَقِفْ ، بَلِ اسْتَمَرَّ فِى هُرُوبِهِ مِنْهَا ، وَزَادَ مِنْ سُرْعَتِهِ ، وَظَلَّ يَجْرِى عَلَى جَانَبِ التُّرْعَةِ ، وَمِنْ شِدَّةِ حِرْصِهَا عَلَيْهِ لَمْ تَكُنْ تَنْظُرُ إِلاَّ إِلَيْهِ .
لَمْ تَسْتَطِعِ الضَّبُعُ أَنْ تَلْحَقَ بِالظَّبْىِ ؛ فَهَدَّدَتْهُ ، وَنَادَتْهُ : أَيُّهَا الظَّبْىُ ، قِفْ ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَفْلِتَ مِنِّى ، وَوَاللَّهِ لَنْ أَرْحَمَكَ ؛ فَلَمْ يَقِفِ الظَّبْىُ ، بَلْ قَفَزَ فَجْأَةً إِلَى جَانِبِ التُّرْعَةِ الآخَرِ ، وَلَمْ تَسْتَطِعِ الضَّبُعُ أَنْ تُغَيِّرَ اتِّجَاهَهَا ، وَلاَ أَنْ تَتَوَقَّفَ عِنْدَ حَافَّةِ التُّرْعَةِ ؛ لِتَتَرَاجَعَ إِلَى الْوَرَاءِ .. وَلَكِنَّهَا وَجَدَتْ نَفْسَهَا تَقْتَحِمُ التُّرْعَةَ بِغَيْرِ إِرَادَتِهَا .
نَجَحَتْ حِيلَةُ الظَّبْىِ ، وَنَجَا مِنَ الضَّبُعِ ، وَغَرِقَتِ الضَّبُعُ فِى الْمَاءِ ، فَهِىَ لاَ تُحْسِنُ السِّبَاحَةَ ؛
فَوَجَدَتْ نَفْسَهَا تَغُوصُ فِى مَاءِ التُّرْعَةِ ، ثُمَّ اسْتَطَاعَتْ أَنْ تَرْفَعَ نَفْسَهَا إِلَى فَوْقٍ، وَتُنَادِى الظَّبْىَ : أَيُّها الظَّبْىُ ، أَنْقِذْنِى ، فَسَأَلَهَا : هَلْ إِذَا أَنْقَذْتُكِ مِنَ الْغَرَقِ نَصِيرُ – أَنَا ، وَأَنْتَ – صَدِيقَيْنِ ؟ فَأَجَابَتْ ، وَهِىَ تُصَارِعُ الْمَاءَ ، وَالْمَاءُ يَصْرَعُهَا : نَعَمْ ، نَعَمْ ، فَأَنَتَ صَدِيقِى مُنْذُ الآنَ، فَقَالَ لَهَا الظَّبْىُ : أَنْتِ كَاذِبَةٌ ، وَلَنْ أُصَدِّقَكِ ، وَأَنَا أَقُولُ الصِّدْقَ : أَنَا لاَ أَعْرِفُ السِّبَاحَةَ ، وَلاَ أُحْسِنُهَا ؛ وَلذَلِكَ فَلَنْ أَسْتَطِيعَ أَنْ أُنْقِذَكِ .
فَجْأَةً رَفَعَتِ الضَّبُعُ نَفْسَهَا إِلَى فَوْقٍ مُحَاوِلَةً النَّجَاةَ مِنَ الْغَرَقِ ، وَظَنَّ الظَّبْىُ أَنَّهَا سَتَنْجُو مِنَ الْغَرَقِ ؛ فَخَافَ مِنْهَا ، وَسَارَعَ إِلَى الْهَرَبِ مِنْهَا ، ثُمَّ تَوَقَّفَ ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا ؛ فَلَمْ يَرَهَا .. وَكَانَتِ الضَّبُعُ قَدْ هَوَتْ ، وَغَاصَتْ فِى الْمَاءِ ، وَاسْتَقَرَّتْ فِى قَاعِ التُّرْعَةِ ، وَظَلَّ الظَّبْىُ يَنْتَظِرُ خُرُوجَهَا مِنَ الْمَاءِ ؛ فَلَمْ تَخْرُجْ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْجَانِى مِنَ الضَّبُعِ ، وَأَغْرَقَهَا ، وَأَنَا لَنْ أَتْرُكَ رِيَاضَةَ الْجَرْىِ ، وَلاَ الْوَثْبِ ، وَيَا لَيْتَنِى أَتَعَلَّمُ السِّبَاحَةَ .
مَقَايِيسُ الاسْتِيعَابِ :
1- الضَّبُعُ وَرَّطَتِ الظَّبْىَ :
أَرَاحَتْهُ
أَوْقَعَتْهُ فِى الْهَلاَكِ
2- تُرْجِئُ الضَّبُعُ مَا تُرِيدُهُ :
تُؤَخِّرُهُ
تُسَارِعُ إِلَى عَمَلِهِ
3- تَطِيحُ فِى التُّرْعَةِ :
تَنْجُو
تَهْلَكُ
4-لِئَلاَّ يَفُوتَهَا :
لِئَلاَّ يَتَأَخَّرَعَنْهَا
لِئَلاَّ يَسْبِقَهَا
5-تَقْتَحِمُ التُّرْعَةَ :
تُفَكِّرُ ، وَتَدْخُلُ فِى التُّرْعَةِ
تَدْخُلُ التُّرْعَةَ بِغَيْرِ تَفْكِيرٍ
6-كَانَتْ الضَّبُعُ تُصَارِعُ الْمَاءَ :
تُرِيدُ أَنْ تَغْلِبَهُ
تُرِيدُ أَنْ يَغْلِبَهَا
7- غَاصَتِ الضَّبُعُ فِى الْمَاءِ :
سَبَحَتْ فَيهِ
غَطَّاهَا الْمَاءُ
8- قَاعُ التُّرْعَةِ :
حَافَّتُهَا
أَسْفَلُهَا