10- الظبى الذكى

 الظَّبْىُ الذكى

 فِى يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ كَانَ الظَّبْىُ يَتَدَرَّبُ عَلى الْوَثْبِ ، وَرَأَتْهُ الضَّبُعُ ، وَرَآهَا ؛ فَهَرَبَ مِنْهَا ، وَجَرَتْ وَرَاءَهُ ، وَوَثَبَ  فَوْقَ صَخْرَةٍ ، وَحَاوَلَتْ  أَنْ تَثِبَ مِثْلَهُ ؛ فَوْقَعَتْ فَوْقَ الصَّخْرَةِ ، فَتَوَقَّفَ الظَّبْىُ عَنِ الْهَرَبِ ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا ؛ فَضَحِكَ مِنْهَا ، وَاغْتَاظَتِ مِنْهُ ، وَقَالَتْ لَهُ : أَنْتَ الْيَوْمَ تَضْحَكُ مِنِّى كَثِيرًا ، وَغَدًا سَوْفَ أَجَعَلُكَ تَبْكِى عَلَى نَفْسِكَ كَثِيرًا ، فَقَالَ لَهَا : لَنْ تَسْتَطِيعِى ؛ فَأَنَا رِيَاضِىٌّ نَشِيطٌ ، وَأَنْتِ كَسْلاَنَةٌ ، وَغَيْرُ رِيَاضِيَّةٍ .. وَتَرَكَهَا  الظَّبْىُ ، وَانْصَرَفَ عَنْهَا مَسْرُورًا بِنَجَاتِهِ مِنْهَا .

 وَفِى الْيَوْمِ  التَّالِى ، وَبَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ هَبَطَ الظَّبْىُ مِنَ الصَّحْرَاءِ إِلَى مَزْرَعَةٍ كَبِيرَةٍ ؛ فَأَخَذَ  يَرْعَى مِمَّا عَلَى حَافَّةِ التُّرْعَةِ مِنْ نَبَاتَاتٍ ، وَكَانَ  يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَيْنَ حِينٍ ، وَآخَرَ ؛ لِيَحْتَرِسَ  مِنَ الضَّبُعِ ، وَهُوَ يَعْرِفَ  أَنَّهَا تَبْحَثُ عَنْهُ . وَفَجْأَةً أَحَسَّ بِحَيَوَانٍ مُخْتَبِئٍ بَيْنَ النَّبَاتَاتِ الْعَالْيَةِ ؛ فَتَأَمَّلَهُ ، فَإِذَا الضَّبُعُ  الَّتِى كَانَتْ  تُطَارِدُهُ بِالأَمْسِ قَدْ وَرَّطَتْهُ  حِينَ اخْتَبَأَتْ وَرَاءَهُ بَيْنَ النَّبَاتَاتِ ؛ فَتَوَرَّطَ ، وَحَاوَل  أَنْ  يَهْرُبَ مِنْهَا ؛ لِيَعُودَ إِلَى الصَّحْرَاءِ ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ ؛ لأَنَّهَا كَانَتْ تَحُولُ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ الصَّحْرَاءِ .

أَخَذَ الظَّبْىُ يُفَكِّرُ ؛ فَرَأَى التُّرْعَةَ أَمَامَهُ ، وَطَالَ تَفْكِيرُهُ .. وَاقْتَرَبَتْ مِنْهُ الضَّبُعُ ، وَابْتَسَمَتْ لَهُ ، وَقَالَتْ لَهُ : أَيُّهَا الظَّبْىُ ، لَقَدْ فَهِمْتُ أَنَّكَ لَنْ  تَفْلِتَ مِنِّى ؛ لِتَنْجُوَ .. فَالتُّرْعَةُ مِنْ  أَمَامِكَ ، وَأَنَا  مِنْ  وَرَائِكَ ، وَلَنْ تَسْتَطِيعَ أَنْ تَطِيرَ فِى الْجَوِّ .. أَعَرَفْتَ ؟ وَكَانَ الظَّبْىُ قَدْ فَهِمَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمَ  بِهِ الضَّبُعُ ، وَظَلَّ يُفَكِّرُ ، وَيَقُولُ : التُّرْعَةُ  أَمَامِى ، وَالضَّبُعُ وَرَائِى ، وَ لَيْسَ لِىَ جَنَاحَانِ أَطِيرَ بِهِمَا .. فَيَارَبِّ ،  مَاذَا  أَفْعَلُ ؟ وَكَيْفَ أَنْجُو مِنْ  هَذِهِ ، وَمِنْ  تِلْكَ ؟

فَكَّرَتِ الضَّبُعُ جَيِّدًا ، وَمَا فَكَّرَتْ فَيهِ جَعَلَهَا تَفْهَمُ أَنَّ الظَّبْىَ  لَنْ يَفْلِتَ مِنْهَا ؛ فَهِىَ مِنْ أَمَامِهِ ، والتُّرْعَةُ مِنْ وَرَائِهِ .. وَفَكَّرَ الظَّبْىُ جَيِّدًا ، وَمَا فَكَّرَ  فِيهِ جَعَلَهُ يَفْهَمُ أَنَّهَا  لَنْ تَهْجُمَ  عَلَيْهِ بِسُرْعَةٍ ؛ فَهُوَ يَعْرِفُهَا كَسْلاَنَةً : تُرْجِئُ  مَا تُرِيدُ عَمَلَهُ ، وَتُؤَجِّلُهُ .. وَفَكَّرَ الظَّبْىُ فِى أَمْرٍ ثَانٍ ؛ فَفَهِمَ أَنَّهُ لاَ سَلاَمَةَ فِى الاسْتِسْلاَمِ ، وَفَكَّرَ فِى أَمْرٍ ثَالِثٍ جَعَلَهُ  يَطْمَئِنُّ  إِلَى أَنَّهُ  سَيَنْجُو مِنْهَا ؛ فَهِىَ لاَ تُحْسِنُ الْوَثْبَ ، وَلاَ الْقَفْزَ مِثْلَهُ .. وَلكِنَّهَا  تُحْسِنُ أَنْ تَجْرِىَ ، وَتَجْرِىَ ، وَلاَ تَتْعَبَ .

 تَمَهَّلَتِ الضَّبُعُ ، وَتَكَاسَلَتْ ، وَلَمْ تُفَكِّرْ جَيِّدًا ؛ فَأَتَاحَتْ لِلظَّبْىِ وَقْتًا ؛ لِيُفَكِّرَ فِيهِ ، فَفَكَّرَ ، وَأَخَذَ يَلْتَفِتُ بِوَجْهِهِ  يَمْنَةً ، وَيَسْرَةً ؛ فَفَهِمَ الْحَلَّ ، وَقَرَّرَ أَنْ يَهْرُبَ مِنْهَا ، وَلَيْسَ إِلَى الصَّحْرَاِء ؛ لِئَلاَّ تَلْحَقَ بِهِ إِذَا تَعِبَ ، وَرَأَى  أَنْ  يَعْتَذِرَ لَهَا عَمَّا حَدَثَ مِنْهُ بِالأَمْسِ ظَنًّا  مِنْهُ  أَنَّ الضَّبُعَ  تَتَذَكَّرُ  مَا حَدَثَ ، وَأَنَّهَا مَا زَالَتْ غَضْبَانَةً  مِنْهُ ، فَقَالَ : أَنَا آسِفٌ لِمَا حَدَثَ مِنِّى بِالأَمْسِ ؛ فَلَمْ تَحْتَجْ إِلَى أَنْ تَسْتَفْهِمَ مِنْهُ عَمَّا حَدَثَ ، بَلْ صَاحَتْ بِهِ :  لَقَدْ ذَكَّرْتَنِى مَا كُنْتُ قَدْ نَسِيتُهُ .. أَأَنْتَ الَّذِى  فَعَلْتَ بِى مَا فَعَلْتَهُ بِالأَمْسِ ، وَأَوَقَعْتَنِى ، وَسَخِرْتَ مِنِّى ؟  فَلَمْ  تَنْتَظِرِ الضَّبُعُ  قَلِيلاً ، وَلاَ كَثِيرًا ، بَلْ سَارَعَتْ إِلَى الْهُجُومِ عَلَيْهِ ، وَسَبَقَهَا الظَّبْىُ  إِلَى الْقَفْزِ ، وَاتَّجَهَ نَاحِيَةَ الْيَمِينِ ، وَجَرَى عَلَى حَافَّةِ التُّرْعَةِ ؛ فَجَرَتْ وَرَاءَهُ .

ظَلَّتِ الضَّبُعُ تُطَارِدُ الظَّبْىَ ،  وَلَمْ  يَشَأْ الظَّبْىُ أَنْ يَسْبِقَهَا كَثِيرًا فِى الْجَرْىِ ؛ لِيُطْمِعَهَا فَيهِ ؛ وَلِئَلاَّ تَلْتَفِتَ بِوَجْهِهَا إِلَى شَىْءٍ غَيْرِهِ ، فَكَانَ  يَلْحَظُهَا مِنْ  وَرَائِهِ ؛ لِيَحْتَرِسَ مِنْهَا ، وَلِيُوَرِّطَهَا مِثْلَمَا وَرَّطَتْهُ ؛ فَتَطِيحَ فِى التُّرْعَةِ ،  وَلَمْ  تَكُنِ الضَّبُعُ تَلْتَفِتُ بِوَجْهِهَا يَمْنَةً ، وَلاَ يَسْرَةً ؛ لِئَلاَّ يَفُوتَهَا  الظَّبْىُ بِمَسَافَةٍ كَبِيرَةٍ ، وَزَادَتِ الضَّبُعُ  مِنْ سُرْعَتِهَا ؛ فَلَمْ  تَلْحَقْ بِهِ ، فَنَادَتْهُ : أَيُّهَا الظَّبْىُ ، قِفْ ؛  فَلَمْ يَقِفْ ، بَلِ  اسْتَمَرَّ فِى هُرُوبِهِ  مِنْهَا ، وَزَادَ  مِنْ سُرْعَتِهِ ، وَظَلَّ يَجْرِى  عَلَى جَانَبِ التُّرْعَةِ ، وَمِنْ شِدَّةِ حِرْصِهَا عَلَيْهِ لَمْ  تَكُنْ تَنْظُرُ إِلاَّ إِلَيْهِ .

لَمْ تَسْتَطِعِ الضَّبُعُ أَنْ تَلْحَقَ بِالظَّبْىِ ؛ فَهَدَّدَتْهُ ، وَنَادَتْهُ : أَيُّهَا الظَّبْىُ ، قِفْ ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَفْلِتَ مِنِّى ، وَوَاللَّهِ لَنْ  أَرْحَمَكَ ؛ فَلَمْ  يَقِفِ الظَّبْىُ ، بَلْ قَفَزَ فَجْأَةً إِلَى جَانِبِ التُّرْعَةِ الآخَرِ ، وَلَمْ تَسْتَطِعِ الضَّبُعُ أَنْ تُغَيِّرَ اتِّجَاهَهَا ، وَلاَ  أَنْ تَتَوَقَّفَ عِنْدَ حَافَّةِ التُّرْعَةِ ؛ لِتَتَرَاجَعَ إِلَى الْوَرَاءِ .. وَلَكِنَّهَا وَجَدَتْ نَفْسَهَا تَقْتَحِمُ التُّرْعَةَ بِغَيْرِ إِرَادَتِهَا .

نَجَحَتْ حِيلَةُ الظَّبْىِ ، وَنَجَا مِنَ الضَّبُعِ ،  وَغَرِقَتِ الضَّبُعُ  فِى الْمَاءِ ، فَهِىَ لاَ تُحْسِنُ السِّبَاحَةَ ؛

 

فَوَجَدَتْ نَفْسَهَا تَغُوصُ فِى مَاءِ التُّرْعَةِ ، ثُمَّ اسْتَطَاعَتْ أَنْ تَرْفَعَ نَفْسَهَا إِلَى فَوْقٍ، وَتُنَادِى الظَّبْىَ : أَيُّها الظَّبْىُ ، أَنْقِذْنِى ، فَسَأَلَهَا : هَلْ إِذَا أَنْقَذْتُكِ  مِنَ الْغَرَقِ نَصِيرُ – أَنَا ، وَأَنْتَ – صَدِيقَيْنِ ؟ فَأَجَابَتْ ،  وَهِىَ تُصَارِعُ الْمَاءَ  ، وَالْمَاءُ يَصْرَعُهَا : نَعَمْ ، نَعَمْ ، فَأَنَتَ صَدِيقِى  مُنْذُ الآنَ،  فَقَالَ لَهَا الظَّبْىُ : أَنْتِ كَاذِبَةٌ ،  وَلَنْ  أُصَدِّقَكِ ، وَأَنَا أَقُولُ الصِّدْقَ : أَنَا لاَ أَعْرِفُ السِّبَاحَةَ ، وَلاَ أُحْسِنُهَا ؛ وَلذَلِكَ فَلَنْ أَسْتَطِيعَ أَنْ أُنْقِذَكِ .

 فَجْأَةً رَفَعَتِ الضَّبُعُ نَفْسَهَا  إِلَى فَوْقٍ مُحَاوِلَةً النَّجَاةَ مِنَ الْغَرَقِ ، وَظَنَّ الظَّبْىُ أَنَّهَا سَتَنْجُو  مِنَ الْغَرَقِ ؛ فَخَافَ مِنْهَا ، وَسَارَعَ إِلَى الْهَرَبِ مِنْهَا ، ثُمَّ تَوَقَّفَ ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا ؛ فَلَمْ  يَرَهَا .. وَكَانَتِ الضَّبُعُ قَدْ هَوَتْ ، وَغَاصَتْ فِى الْمَاءِ ، وَاسْتَقَرَّتْ فِى قَاعِ  التُّرْعَةِ ، وَظَلَّ الظَّبْىُ يَنْتَظِرُ خُرُوجَهَا  مِنَ الْمَاءِ ؛ فَلَمْ تَخْرُجْ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْجَانِى مِنَ الضَّبُعِ ، وَأَغْرَقَهَا ، وَأَنَا لَنْ أَتْرُكَ رِيَاضَةَ الْجَرْىِ ،  وَلاَ الْوَثْبِ ، وَيَا لَيْتَنِى أَتَعَلَّمُ السِّبَاحَةَ .

مَقَايِيسُ الاسْتِيعَابِ :

 1- الضَّبُعُ  وَرَّطَتِ الظَّبْىَ :

      أَرَاحَتْهُ

     أَوْقَعَتْهُ فِى الْهَلاَكِ

 2- تُرْجِئُ الضَّبُعُ مَا تُرِيدُهُ :

     تُؤَخِّرُهُ

    تُسَارِعُ  إِلَى عَمَلِهِ

3- تَطِيحُ فِى التُّرْعَةِ :

    تَنْجُو

    تَهْلَكُ

4-لِئَلاَّ يَفُوتَهَا :

   لِئَلاَّ يَتَأَخَّرَعَنْهَا

   لِئَلاَّ يَسْبِقَهَا

5-تَقْتَحِمُ التُّرْعَةَ :

   تُفَكِّرُ ، وَتَدْخُلُ فِى التُّرْعَةِ

   تَدْخُلُ التُّرْعَةَ بِغَيْرِ تَفْكِيرٍ

6-كَانَتْ الضَّبُعُ تُصَارِعُ الْمَاءَ :

    تُرِيدُ  أَنْ تَغْلِبَهُ

   تُرِيدُ أَنْ يَغْلِبَهَا

7- غَاصَتِ الضَّبُعُ  فِى الْمَاءِ :

    سَبَحَتْ فَيهِ

    غَطَّاهَا الْمَاءُ

8- قَاعُ التُّرْعَةِ :

    حَافَّتُهَا

    أَسْفَلُهَا