الضِّفْدِعَـةُ الشُّجَاعة
كَانَتِ الضَّفَادِعُ تَعِيشُ فِى وَطَنِهَا ، وَفِى وَطَنِهَا جُحُورُهَا ، وَجُحُورُهَا تَحْتَ شَجَرَةٍ . وَفِى الصَّبَاحِ تَخْرُجُ الضَّفَادِعُ مِنْ جُحُورِهَا ، وَتَسِيرُ قُدَّامَهُمْ الضِّفْدِعَةُ الأُمُّ ؛ لِتَذْهَبَ إِلَى الْمَاءِ ، وفِى الْمَاءِ تَسْبَحُ كُلُّ الضَّفَادِعِ ، وَتَلْعَبُ ، وَلاَ تَخْرُجُ مِنْهُ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَتْعَبَ ، وَتَنْظُرَ إِلَى الشَّجَرَةِ ؛ فَتَطْمَئِنَّ إِلَيْهَا .
فِى يَوْمٍ ظَلَّتِ الضَّفَادِعُ تَسْبَحُ فِى الْمَاءِ حَتَّى قُبَيْلِ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، وَأَرَادَتِ الْخُرُوجَ مِنَ الْمَاءِ ، فَرَأَتْ شَيْئًا كَبِيرًا أَتَى الْمَاءَ ؛ فَتَوَقَّفَتْ عَنِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَاءِ ، وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ ؛ فَإِذَا هُوَ ضَخْمٌ جِدًّا ، وَشَكْلُهُ مُخِيفٌ .
تَسَاءلَتِ الضَّفَادِعُ : مَا هَذَا ؟ وَالْتَفَتَتْ إِلَى الأُمِّ ، وَكَانَتِ الأُمُّ قَدْ نَظَرَتْ إِلَيْهِ ؛ فَعَرَفَتْهُ ، وَأَجَابَتْ : هَذِهِ ضَبُعٌ وَسَأَلَهَا ضِفْدِعٌ : أَهِىَ صديقة ، أَمْ عَدُوَّةٌ ؟ فَأَجَابَتْ : هِىَ عَدُوَّةٌ ، فَأَحَسَّتِ الضَّفَادِعُ بِالْخَوْفِ مِنْهَا .
بَعْدَ وَقْتٍ سَأَلَ ضِفْـدِعٌ كَبِيرٌ مُتَخَوِّفاً : هَلْ تَسْتَطِيعُ الضَّبُعُ أَنْ تَسْبَحَ فِى الْمَاءِ مِثْلَنَا ؟ فَأَجَابَتِ الأُمُّ : لاَ ؛ فَاطْمَأَنَّتِ الضَّفَادِعُ إِلَى مَا قَالَتْهُ الأُمُّ ، وَهَتَفَتْ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، لَقَدْ نَجَوْنَا . وَازْدَادَ اطْمِئْنَانُهَا إلَى كَلاَمِ أُمِّهَا عِنْدَ رُؤْيَتِهَا الضَّبـُعَ تَخْرُجُ مِنَ الْمَاءِ ، وَتَمَشِى قَلِيلاً .
فَجْأةً ذَهَبَ الاطْمِئْنَانُ عَنِ الضَّفَادِعِ ، وَعَادَ إِلَيْهَا الْخَوْفُ ؛ فَاسْتَاءَتْ ، وَجَعَلَتْ تُرَدِّدُ : لاَ حَوْلَ ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ؛ ذَلِكَ لأَنَّهَا قَدْ رَأَتِ الضَّبُعَ تَتَّجِهُ نَحْوَ شَجَرَتِهَا ، وَتَقْعُدُ تَحْتَهَا ، وَتَسْنِدُ إِلَيْهَا ظَهْرَهَا ، وَتَتَمَدَّدُ ؛ لِتَحْتَلَّ وَطَنَهَا
احْتَلَّتِ الضَّبُعُ مَوْطِنَ الضَّفَادِعِ ، وَاسْتَلْقَتْ عَلَى ظَهْرِهَا فَوْقَ جُحُورِهَا ، وفِى جُحُورِهَا أَوْلاَدُهَا ، فَسَأَلْـتْ ضِفْدِعَةٌ كَبِيرَةٌ : مَتَى تَتْرُكُ هَذِهِ الضَّبُعُ مَوْطِنَنَا ؟ فَأَجَابَتِ الضِّفْدِعَةُ الأُمُّ : الضَّبُعُ سَوْفَ تَنَامُ ، وَنَوْمُهَا ثَقِيلٌ ، وَلَنْ تَصْحُوَ مِنْ نَوْمِهَا إِلاَّ بَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ .
صَاحَ ضِفْدِعٌ كَبِيرٌ : هَيَّا نَرْحَلْ عَنِ الْوَطَنِ ، وَتَبِعَتْهُ ضَفَادِعُ كَثِيرةٌ ، وَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلِهِ ، وَصَاحتْ بِهِمْ ضِفَدِعَةٌ كَبِيرَةٌ ، وَقَالَتْ : لاَ ، لَنْ نَرْحَلَ عَنِ الْوَطـَنِ ، وَتَبِعَتْهَا ضَفَادِعُ كَثِيرَةٌ ، وَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلِهَا ، وَاخْتَلَفَتِ الضَّفَادِعُ ؛ فَتَخَاصَمَتْ ، وَظَلَّتْ تَصِيحُ ، وَاخْتَلطَتْ أَصْوَاتُهَا ؛ فَلَمْ تَسْمَعِ الأُمُّ إِلاَّ : ” نَرْحَلُ .. لاَ نَرْحَلُ .. نَرْحَلُ ” .
غَضِبَتِ الضِّفْدِعَةُ الأُمُّ ، وَتَسَاءَلَتْ : ما هذه الفَوْضَى ؟ فَأَنْصَتَتِ الضَّفَادِعُ لِلأُمِّ ، ثُمَّ أَجَابَ ضِفْدِعٌ كَبِيرٌ : لاَ ، أَنْتِ الرَّئِيسُ ، وَالأَمُرُ بِيَدِكِ ، وَجَعَلَ اللَّهُ حَقَّكِ عَلَيْنَا أَنْ نُطِيعَكِ ، فَقَالَتِ الأُمُّ : لَنْ يَكُونَ الأَمْرُ بِيَدَى إِلاَّ بَعْدَ أَنْ نَتَشَاوَرَ ، وَنَتَفَاوَضَ .
قَعَدَتِ كِبَارُ الضَّفَادِعِ تَتَشَاوَرُ ، وَتَتَفَاوَضُ ، وَكَانَ أَوَّلُ مُتَكَلِّمٍ ضِفْدِعًا كَبِيرًا ، فَقَالَ : أَرَى أَنْ نَسْتَسْلِمَ ، وَنَرْحَلَ عَنْ وَطَنِنَا ؛ لِنَعِيشَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ الأُخْرَى الْكَبيرَةِ – وَأَشَارَ إِلَيْهَا بِيَدِهِ – ، وَتَسَاءَلَتِ الأُمُّ : فَهَلْ مِنَ الْمَصْلَحَةِ أَنْ نُجَاوِرَ الْغِرْبَانَ الَّتِى اتَّخَذَتِ الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَةَ مَوْطِنًا ؟ فَأَجَابَتِ الضَّفَادِعُ كُلُّهَا : لاَ ، لاَ ؛ إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ تَتَخَطَّفَنَا الْغِرْبَانُ ، وَهِىَ لَنْ تَرْحَمَنَا .
ظَلَّتِ الأُمُّ تُفَكِّرُ ، ثُمَّ صَمَتَتْ قَلِيلاً ، وَقَالَتْ : أَنَا فَكَّرتُ فِى الْحَلِّ ، وَعَرَفْتُهُ ، فَصَاحَتِ الضَّفَادِعُ كُلُّهَا فَرِحَةً : مَا هُوَ ؟ قُولِى بِسُرْعَةٍ .. بَارَكَ اللَّهُ لَنَا فِيكِ ، وَتَجَمَّعَتِ الضَّفَادِعُ حَوَالَيْهَا ، وَعَلاَ بَعْضُهَا فَوْقَ الْبَعْضِ الآخَرِ ؛ لِتَسْتَمِعَ لِمَا تَقُولُهُ الأُمُّ ، وَفَجْأَةً صَاحَتِ بِأَعْلَى صَوْتِهَا ، وَقَالَتْ : لاَ سَلاَمَةَ فِـى الاسْتِسْلاَمِ .. وَقَدْ أَعْلَنْتُ الْحَرْبَ عَلَى الضَّبُعِ ؛ فَذُهِلَتِ الضَّفَادِعُ الْكِبَارُ ، وَجَعَل كُلُّ ضِفْدِعٍ يُحَمْلِقُ إِلَى أُمِّهِ ، وَيَهُزُّ رَأْسَهُ حَيْرَانَ مُتَعَجِّبًا ، وَطَالَ صَمْتُهَا ، ثَمَّ تَسَاءَلَ ضِفْدِعٌ كَبِيرٌ : كَيْفَ نُحَارِبُ الضَّبُعَ ، وهُو أقْوى منَّا ؟
أَجَابَتِ الأُمُّ : نَحْنُ الضَّفَادِعُ نَقِيقُنَا عَالٍ ، وَهُوَ سِلاَحُنَا الَّذِى نُحَارِبُ بِهِ عَدُوَّتَنَا ، وَنُدَافِعُ بِهِ عَنْ أَنْفُسِنَا ، وَعَنْ أَوْلاَدِنَا ، وَعَنْ وَطَنِنَا ، وَسَأَلَهَا ضِفْدِعٌ ثَانٍ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ يَا أُمَّنَا ؟ فَأَجَابَتْ : بَعْدَ قَلِيلٍ يَأَتَى الظَّلاَمُ ، وَنَتَسَلَّلُ فِى الظَّلاَمِ ، وَنَتَجَمَّعُ حَوْلَ رَأْسِ الضَّبُعِ ، وَننِقُّ كلُّنَا جَمِيعاً ، وَيَدُ اللَّـهِ مَعَ الْجَمَـاعَةِ ، وَنَقِيقُنـَا جَمِيعاً سَيُفَزِعُ الضَّبُعَ ، وَيُخِيفُهَا ، وَيَجْعَلُهَا تَهْرُبُ ؛ فَنَسْتَرِدُّ وَطَنَنَا .
سُرَّتِ الضَّفَادِعُ بِمَا قَالَتْهُ الأُمُّ ، وَانْقَادَتْ كُلُّهَا لِرَأْيِهَا ، وَانْتَظَرْتْ قَلِيلاً ، وَتَسَلَّلَتْ فِى الظَّلاَمِ ، وَتَجَمَّعَتْ حَوْل رَأْسِ الضَّبُعِ ، وَكَانَتِ الضَّبُعُ قَدْ أَغْمَضَتْ عَيْنَيْهَا ؛ فَلَمْ تَرَ مَا حَوْلهَا ، وَكَانَتْ قَدْ نَامَتْ ؛ فَلَمْ تَشْعُرْ بِمَا بَعُدَ عَنْهَا ، وَلاَ بِمَا قَرُبَ مِنْهَا .. وَفَجْأَةً نَقَّتِ الضَّفَادِعُ جَمِيعاً ؛ فَفَزِعَتِ الضَّبُعُ مِنْ نَوْمِهَا ، وَسَمِعَتْ النَّقِيـقَ يَأْتِيهَا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ؛ فَانْزَعَجَتْ ، وَفَزِعَتْ ، وَهَرَبَتْ .
مَقَايِيسُ الاسْتِيعَابِ :