الشِّـبْلُ الْمُفَكِّرُ
كَانَتِ الأُسُودُ الثَّلاَثَةُ قَدْ قَعَدَتْ تَحْتَ شَجَرَةٍ ، وَكَانَ مَعَهَا شِبْلٌ ، وَقَامَ الشِّبْلُ ، وَأَخَذَ يَلْعَبُ ؛ فَدَارَ حَوْلَهَا ، ثُمَّ أَمْسَكَ بِرَأْسِ الأَسَدِ الأَكْبَرِ ، وَتَرَكَهُ ؛ لِيَعَضَّ عَلَى ذَيْلِ الأَسَدِ الأَوْسَطِ ، وَتَرَكَ ذَيْلَ الأَوْسَطِ ؛ لِيَثِبَ فَوْقَ الأَصْغَرِ . وَكَانَتِ الأُسُودُ الثَّلاَثَةُ لاَ تَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَلاَ تَزْعَلُ مِنْهُ ؛ فَهِىَ تُحِبُّ أَنْ تَلْعَبَ مَعَهُ ، وَتَفْرَحَ بِلَعِبِهِ مَعَهَا ، وَتُحِبَّ أَنْ تُدَاعِبَهُ ، وَهُوَ يَفْرَحُ بِمُدَاعَبَتِهَا لَهُ ، وَيَحْتَرِمُهَا ، وَكَانَ لاَ يَجْرُؤُ أَنْ يُنَادِىَ أَىَّ أَسَدٍ مِنْهَا بِاسْمِهِ ، دُونَ أَنْ يَسْبِقَهُ بِكَلِمَةِ : ” يَا عَمِّ ” احْتَرَامًا ، وَتَقْدِيرًا .
نَظَرَ الأَسَدُ الأَكْبَرُ إِلَى أَشْجَارِ الْغَابَةِ ، وَأَخَذَ يَتَأَمَّلُهَا ؛ فَلَمَحَ غَزَالَةً كَبِيرَةً ، وَأَرَادَ أَنْ يُدَاعِبَ الشِّبْلَ ، وَأَنْ يُلاَعِبَهُ ، وَأَنْ يُعَلِّمَهُ مَا يَنْفَعُهُ .. فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الشِّبْلُ ، لَقَدْ لَمَحْتُ غَزَالَةً ؛ فَتَعَجَّلَ الشِّبْلُ ، وَلَمْ يَتْرُكْ عَمَّهُ الأَكْبَرَ يُتِمُّ كَلاَمُهُ ، ويُشِيرَ لَهُ إِلى الْغَزَالَةِ ، بَلِ انْطَلَقَ ، وَجَرَى مُسْرِعاً ؛ فَضَحِكَتِ الأُسُودُ الثَّلاَثَةُ ، وَنَادَاهُ عَمُّهُ الأَكْبَرُ : يَا أَيُّهَا الشِّبْلُ ، تَعَالَ ؛ فَتَوَقَّفَ الشِّبْلُ عَنِ الْجَرْىِ ، وَعَادَ إِلَى الأُسُودِ ؛ فَرَآهَا تَضْحَكُ ، فَسَأَلَهَا : لِمَاذَا نَادَيْتُمُونِى ؟ وَلِمَاذَا تَضْحَكُونَ مِنِّى ؟ فَسَأَلَهُ عَمَّهُ الأَكْبَرَ : هَلْ عَرَفْتَ مَكَانَ الْغَزَالَةِ ؟ فَأَجَابَ : لا ، فسَأَلَهُ عَمُّهُ الأَكْبَرُ : كَيْفَ تَصِلُ إِلَيْهَا ؟ فَأَجَابَ : سَوْفَ أَبْحَثُ عَنْهَا فِى الْجِهَاتِ الأَرْبَعِ كُلِّهَا ، فَقَالَ عَمُّهُ الأَكْبَرُ : أَنْتَ عَجـُولٌ ، وَكَانَ يَنْبَغِى لَكَ أَنْ تَتَمَهَّلَ ؛ لِتُفَكِّرَ ، فَتَكُونَ الشِّبْلَ الْمُفَكِّـرَ ، لاَ الْعَجُـولَ .
كَانَتِ الْغَزَالَةُ مَا تَزَالُ تَرْعَى الْحَشَائِشَ ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا الأَسَدُ الأَكْبَرُ ، وَأَشَارَ إِلَيْهَا ، وَقَالَ : إِنَّهَا هُنَاكَ ، إِنَّهَا تَرْعَى الْحَشَائِشَ وَرَاءَ الأَشْجَارِ الَّتِى قُدَّامَكَ . فَنَظَرَ إِلَيْهَا الشِّبْلُ ؛ فَرَآهَا ، وَفَرِح بِهَا ، وَأَخَذَ يَرْقُصُ ، وَيَصِيحُ : رَأَيْتُهَا ، رَأَيْتُهَا ، وَلَكِنَّهُ سُرْعَانَ مَا نَسِىَ مَا تَعَلَّمَهُ مُنْذُ لَحَظَاتٍ ؛ فَلَمْ يَتَمَهَّلْ ، وَرَفَعَ رَأْسَهُ ، وَزَأَرَ ، وَأَسْرَعَ إِلَيهَا ؛ فَقَفَزَ ، وَجَرَى نَحْوَهَا ، وَسَمِعَ أَعْمَامَهُ تَضْحَكُ ، وَتُقَهْقِهُ .. وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ : أَكَانَ ضَحِكُ الأَعْمَامِ إِعْجَاباً بِمَا فَعَلَهُ ، أَمْ سُخْرِيَةً بِهِ مِنْ خَطَإٍ لَمْ يَنْتَبِهْ لَهُ ؟ وَلَكِنَّهُ اسْتَمَرَّ فِى جَرْيِهِ ، وَكَانَتْ قَهْقَهَةُ الأَعْمَامِ تَصِلُ إِلَى أُذُنَيْهِ ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ ابْتَعَدَ عَنْهَا كَثِـيراً .
أَسْرَعَ الشِّبْلُ فِى جَرْيِهِ ، وَكَانَتِ الْغَزَالَةُ بَعِيدَةً عَنْهُ ، وَكَانَ يَرَاهَا فِى ضَوْءِ الْقَمَرِ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ الأَشْجَارِ كَانَتْ تحَولُ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَهَا ، وَكَانَتِ الْغَزَالَةُ قَدْ سَمِعَتْ زَئِيرَ الشِّبْلِ ؛ فَانْتَبَهَتْ لَهُ ، وَرَأَتْهُ ؛ فَخَافَتْ مِنْهُ ، وَفَزِعَتْ ، وَقَفَزَتْ ، وَهَرَبَتْ ؛ فَغَابَتْ عَنْ نَظَرِهِ ؛ فَلَمْ يَرَهَا فعَادَ حَزِينا إلى الأسُود .
نَدِمَ الشِّبْلُ عَلَى عَجَلَتِهِ ، وَعَلَى تَقْصِيرِهِ فِى عَمَلِهِ ، وَقَالَ : أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ مَا يَنْقُصُنِى مِنَ التَّفْكِيرِ الْجَيِّدِ .
اسْتَمَعَ الشِّبْلُ لِلدَّرْسِ الأَوَّلِ ، وَكَانَ مُعَلِّمُهُ عَمَّهُ الأَكْبَرَ ، فَقَالَ مُعَلِّمًا : إِذَا رَأَيْتَ الْغَزَالَةَ فَلاَ تَزْأَرْ ؛ فَتَعَجَّبَ مِنْهُ الشِّبْلُ ، وَسَأَلَهُ : يَا عَمِّ ، لَقَدْ رَأَيْتُكَ تَزْأَرُ.. فَكَيْفَ أَصِيدُ مِنْ غَيْرِ زَئِيرٍ ؟! فَأَجَابَ عَمُّهُ الأَكْبَرُ : إِنَّ الْغَزَالَةَ سَتَهْرُبُ مِنْكَ حِينَ تَسْمَعُ زَئِيرَكَ ، وَتَخْتَبِىءُ عَنْكَ .
اسْتَمَعَ الشِّبْلُ لِلدَّرْسِ الثَّانِى ، وَكَانَ مُعَلِّمُهُ عَمَّهُ الأَوْسَطَ ، فَقَالَ مُعَلِّمًا : إِذَا رَأَيْتَ الْغَزَالَةَ فَتَمَهَّلْ ، وَفَكِّرْ فِى الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ لِلْهُجُومِ عَلَيْهَا ِ، وَسِرْ إِلَيْهَا فِى هُدُوءٍ إِلَى أَنْ تَقْتَرِبَ مِنْهَا ، فَتَهْجُمَ عَلَيْهَا ، فَسَأَلَ الشِّبْلُ عَمَّهُ الأَوْسَطَ : يَا عَمِّ ، إِذَا اقْتَرَبْتُ مِنَ الْغَزَالَةِ ، وَلَمَحَتْنِى فَسَتَهْرُبُ مِنِّى .. فَمَاذَا أَفْعَلُ؟
فَأَجَابَ الأَوْسَطُ : لاَ تَتْرُكْهَا أَبَدًا ، وَعَلَيْكَ أَنْ تَجْرِىَ وَرَاءَهَا ؛ فَأَنْتَ شِبْلٌ قَوِىٌّ ، لاَ تَتْعَبُ مِنَ الْجَرْىِ
وَالْغَزَالَةُ تَتْعَبُ ، وَتَلْهَثُ ؛ فَتُبْطِئُ ، فِى جَرْيِهَا ، وَسَاعَتَئِذٍ تَلْحَقُ بِهَا ، وَتَهْجُمُ عَلَيْهَا ، وَتَفْتَرِسُهَا .
انْشَرَحَ صَدْرُ الشِّبْلِ لِمَا تَعَلَّمَهُ ؛ فَظَلَّ يَسْتَذْكِرُهُ خَاصَّةً :” أَنَا أَتَمَهَّلُ ؛ لأُفَكِّرَ جَيِّداً . فَقَالَ الْعَمُّ الأَكْبَرُ : اجْـتَهِدْ ، وَاحْفَظْ مَا تَعَلَّمْتَهُ ؛ لِتَكُونَ شبلاَ ذكيا