6- الهدهد المعلم

الْهُدْهُدِ المُعَـلِّمُ

خَرَجَتِ الْهَدَاهِدُ فِى الصَّبَاحِ  مِنْ  أَعْشَاشِهَا ، وَكَانَ مَعَهَا هُدْهُدٌ صَغِيرٌ ، وَنَزَلَتْ تَحْتَ شَجَرَةٍ ،  وَلَمْ يَنْزِلْ مَعَهَا الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ ، وَبَدَأَ كُلُّ هُدْهُدٍ يَبْحَثُ عَنْ طَعَامِهِ ؛ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ  يَبْحَثُ فِى نَاحِيَةٍ ، وَيَأْكُلُ مَا يُخْرِجُهُ مِنَ الأَرْضِ . وَنَظَرَ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ إِلَى الْهَدَاهِدِ ؛ فَافْتَقَدَ الصَّغِيرَ ، فَتَسَاءَلَ : كَيْفَ يَغِيبُ الصَّغِيرُ عَنَّا ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ مِنَّا ؟ ثُمَّ أَمَرَ الْهَدَاهِدَ : أَخْبِرُونِى  بِهِ عِنْدَ عَوْدَتِهِ إلَيْكُمْ .

ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ كَثِيراً ، وَمَلأَ ضَوْؤُهَا كُلَّ مَكَانٍ ، وَشَبِعَتِ الْهَدَاهِدُ طَعَامًا ، وَوَقَفَتْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ . وَفَجْأَةً جَاءَ الصَّغِيرُ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ ؛ فَرَدَّتِ الْهَدَاهِدُ قَائِلَةً : وَعَلَيْكَ السَّلامُ ، وَرَحْمَةُ اللَّهُ ، وَبَرَكَاتُهُ ، ثُمَّ أَخْبَرَتِ الْهَدَاهِدُ زَعِيمَ الْهَدَاهِدِبِعَوْدَتِهِ ، فَاسْتَدْعَاهُ ، وَسَارَعَ إِلَى اسْتِجْوَابِهِ مُعَاتِباً : كَيْفَ تَغِيب عَنَّا دُونَ إِذْنٍ مِنَّا ؟ فَاعْتَرَفَ الصَّغِيرُ بِخِطْئِهِ ، وَاعْتَذَرَ قَائِلاً : أَنَا آسِفٌ ؛ فَهَزَّ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ رَأْسَهُ مُعْلِنًا قَبُولَ مَعْذِرَتِهِ .

سَأَلَ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ الصَّغِيرَ : أَيْنَ كُنْتَ ؟ فَأَجَابَ الصَّغِيرُ : كُنْتُ فِى مَدْرَسَةِ الْغِرْبَانِ ، فَسَأَلَهُ الزَّعِيمُ : وَأَيْنَ مَدْرَسَةُ الْغِرْبَانِ ؟ فَأَجَابَ الصَّغِيرُ : إِنَّهَا فِى طَرِيقِنَا إِلَى أَعْشَاشِنَا فَوْقَ الشَّجَرَةِ الْعَالِيَةِ . فَسَأَلَهُ الزَّعِيمُ : كَيْفَ سُمِحَ لَكَ بِدُخُولِ مَدْرَسَةِ الْغِرْبَانِ ؟! فَأَجَابَ الصَّغِيرُ : اسْتَأْذَنَ لِى صَدِيقِى الْغُرَابُ الصَّغِيرُ فِى الدُّخُولِ ؛ فَأُذِنَ لِى . وَسَأَلَهُ الزَّعِيمُ : مَاذَا فَعَلْتَ فِى مَدْرَسَةِ الْغِرْبَانِ ؟ فَأَجَابَ : لَعِبْتُ ، وَتَعَلَّمْتُ ، فَقَالَ الزَّعِيمُ : وَلَكِنَّكَ نَقَصْتَ عُمُرًا  ، فَسَأَلَهُ الصَّغِيرُ مُتَعَجِّبًا : كَيْفَ ؟! فَأَجَابَ الزَّعِيمُ : لَقَدْ أَضَعْتَ وَقْتَكَ فِى تَعَلُّمِ مَا يَضُرُّكَ ، وَلاَ يَنْفَعُكَ ، فَدَافَعَ  الصَّغِيرُ عَنْ نَفْسِهِ قَائِلاً: إِنَّ مَا تَعَلَّمْتُهُ  يَنْفَعُنِى ، وَيَنْفَعُ الْهَدَاهِدَ ، وَلاَ يَضُرُّنِى ، وَلاَ يَضُرُّ الْهَدَاهِدَ تَعَلُّمُهُ.

 

لَمْ يَرْضَ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ- أَيْضاً – عَمَّا سَمِعَهُ  مِنَ الصَّغِيرِ ، فَقَالَ لَهُ : نَحْنُ الْهَدَاهِدُ قْد تَعَلَّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا ، وَلاَ يَنْقُصُنَا مِنَ الْعِلْمِ شَىْءٌ ، وكَانَ مَعَ الْهَدَاهِدِ هُدْهُدٌ كَبِيرٌ مُتَوَاضِعٌ ، قَدْ أَحْسَنَ الاسْتِمَاعَ لِمَا  دَارَ بَيْنَ زَعِيمِ الْهَدَاهِدِ ، وَبَيْنَ الْهُدْهُدِ الصَّغِيرِ ؛ فَلَمْ يُعْجِبْهُ مَا قَالَهُ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ،  فَقَالَ لِلصَّغِيرِ : أَيُّهَا الصَّغِيرُ الْمُتَعَلِّمُ فِى مَدْرَسَةِ الْغِرْبَانِ ، أَنَا أُرِيدُ  أَنْ أَتَعَلَّمَ مِمَّا تَعَلَّمْتَهُ ؛ فَارْتَاحَ الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ لِكَلاَمِهِ ، وَقَالَ : سَمِعْتُ مُعَلِّم الْغِرْبَانِ  يَقُولُ لِلْغِرْبَانِ : إِذَا رَأَيْتُمْ وَلَداً قَادِمًا عَلَيْكُمْ  فَاحْذَرُوهُ ، وَطِيرُوا بِسُرْعَةٍ ، وَلاَ تَنْتَظِرُوهُ حَتَّى يَقْتَرِبَ مِنْكُمْ ، فَسَأَلَهُ  صَدِيقِى الْغُرَابُ الصَّغِيرُ : لِمَاذَا  نَطِيرُ بِسُرْعَةٍ ، ” وَالْوَلَدُ لَمْ  يَنْحَنِ لِيَأْخُذَ حَجَراً ؛ كَىْ يَقْذِفَنَا بِهِ ؟ ” فَأَجَابَ عُمْدَةُ  الْغِرْبَانِ :” قَدْ يَكُونُ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ مُمْسِكاً بِحَجَرٍ فِى يَدِهِ ” ، وَيَمْشِى بِهُدُوءٍ فَإِذَا  اقْتَرَبَ مِنْكَ رَمَاكَ بِالْحَجَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْحَنِىَ .

أُعْجِبَتِ الْهَدَاهِدُ بِالدَّرْسِ الأَوَّلِ ؛ فَصَاحَتْ : هَاتِ الثَّانِىَ ؛ فَقَالَ الصَّغِيرُ ، : سَمِعْتُ مُعَلِّم الْغِرْبَانِ يَقُولُ : إِذَا هَجَمَ وَلَدٌ عَلَى غُرَابٍ مِنْكُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ ، وَتَعَاوَنُوا جَمِيعاً ، لِتُخَلِّصُوا أَخَاكُمْ مِنْهُ ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ، فَسَأَلَهُ صَدِيقِى : كَيْفَ نُخَلِّصُهُ ؟ فَأَجَابَ المُعَلِّم: تَهْجُمُ  الْغِرْبَانُ كُلُّهَا عَلَى الْوَلَدِ ، وَهِىَ  تَنْعِقُ ؛ فَيَنْقُرُهُ الْبَعْضُ فِى يَدِهِ ، وَيَضْرِبُهُ الْبَعْضُ الآخَرُ بِالأَجْنِحَةِ عَلَى وَجْهِهِ ؛ فَتُدْهِشُهُ الْمُفَاجَأَةُ ، وَيُحَيِّرُهُ تَجَمُّعُكُمْ حَوْلَهُ ، وَيُزْعِجُهُ نَعِيقُكُمْ بِهِ ، وَيُؤْلِمُهُ ضَرْبُكُمْ  لَهُ ؛ فَيَخَافُكُمْ ، وَيَتْرُكُ  لَكُمْ أَخَاكُمْ ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ الْوَلَدُ  أَنْ  يُؤْذِىَ  أَىَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ؛ لأَنَّهُ سَيَكُونُ مَشْغُولاً عَنْكُمْ بِالدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهِ .

أُعْجِبَتِ الْهَدَاهِدُ بِما سَمعته مِن الْهُدْهُدِ الصَّغِيرِ، فشَكَرته وَصَفَّقَتْ لَهُ بِأَجْنِحَتِهَا، لكِن زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ لم يتابع الدرس ووقف بعيدا

فَجْأَةً َرَأَى زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ وَلَدًا قَادِمًا مِنْ بَعِيدٍ ؛ فَصَاحَ : الْوَلَدَ ، الْوَلَدَ ؛ فَفَزِعَتِ الْهَدَاهِدُ ، وَطَارَ الْهُدْهُد الْمُتَعَلِّمُ فِى مَدْرَسَةِ الْغِرْبَانِ ، وَتَبِعَتْهُ الْهَدَاهِدُ كُلُّهَا إِلاَّ زَعِيمَ الْهَدَاهِدِ.. فَلَمْ يَطِرْ مِثْلَهَا . وَكَانَتِ الْهَدَاهِدُ قَدْ طَارَتْ ، وَهَبَطَتْ فَوْقَ شَجَرَةٍ ، فَنَادَى الْهُدْهُدُ الْمُتَعَلِّمُ زَعِيمَ الْهَدَاهِدِ: يَا عَمِّ ، هَيَّا  طِرْ  ، فَقَالَ : سَوْفَ أَطِيرُ عِنْدَ اقْتِرَابِ الْوَلَدِ مِنَ الشَّجَرَةِ ، فَقَالَ لَهُ هُدْهُدٌ كَبِيرٌ : احْذَرِ الْوَلَدَ ،  وَخَفْ  مِنْهُ ،  وَطِرْ ،  فَقَالَ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ : إِنَّهُ وَلَدٌ طَيِّبٌ ، وَعَصَاهُ لَيْسَتْ فِى يَدِهِ  ، وَلَمْ يَنْحَنِ ؛ لِيَأْخُذَ حَجَراً .. فَلِمَاذَا  أَخَافُ  مِنْهُ ؟

كَانَ الْوَلَدُ يَمْشِى عَلَى مُهْلَتِهِ ، وَقَبْلَ أَنْ  يَقْتَرِبَ مِنَ زَعِيمِ الْهَدَاهِدِ رَمَاهُ بِحَجَرٍ كانَ فِى يِدِهِ ؛ فَأَصَابَ جَنَاحَهُ ، وَحَاوَلَ الزَّعِيمُ أَنْ يَطِيرَ ؛ فَطَارَ قَلِيلاً ، وَوَقَعَ عَلَى الأَرْضِ سَرِيعاً ، وَأَخَذَ يُرَفْرِفُ ؛ فَهَجَمَ الْوَلَدُ عَلَى زَعِيمِ الْهَدَاهِدِ ، وَصَادَهُ ، فَصَاحَ الْهُدْهُدُ الْمُتَعَلِّمُ : أَيَّتُهَا الْهَدَاهِدُ ، هَيَّا بِنَا ؛ لِنَهْجُمَ عَلَى الْوَلَدِ ،  وَلِنُخَلِّصَ عَمَّنَا مِنْهُ ؛ فَهَجَمَتِ الْهَدَاهِدُ عَلَى الْوَلَدِ الصَّغِيرِ .. فَكَانَ بَعْضُهَا يَضْرِبُهُ عَلَى وَجْهِهِ ، وَالْبَعْضُ الآخَرُ يَنْقُرُهُ فِى يَدَيْهِ ، وَالْكُلُّ يَصِيحُ ؛ فَدُهِشَ الْوَلَدُ ، وَفَزِعَ مِنَ الْهَدَاهِدِ ، وَخَافَ مِنْهَا ، وَتَحَيَّرَ فِى أَمْرِهَا ؛ فَهُوَ لَمْ  يَرَ الْهَدَاهِدَ تَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا  مِنْ قَبْلُ ، وَلاَ سَمِعَ بِهِ ؛ فَتَرَكَ الْوَلَدُ زَعِيمَ الْهَدَاهِدِ مُرْغَماً ، وَلَمْ يَمْلِكْ أَنْ يُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ ، بَلْ فَرَّ فِرَارًا سَرِيعًا .

هَبَطَتِ الْهَدَاهِدُ ، وَأَحَاطَتْ بِزَعِيمِهَا ، وَكَانَ بَعْضُهَا يَقُولُ لَهُ : حَمْداً لِلَّهِ عَلَى السَّلامَةِ ، وَالْبَعْضُ الآخَرُ يَقُولُ لَهُ : هَلْ أَنْتَ بِخَيْرٍ ؟ فَكَانَ يَقُولُ : شُكْرًا لَكُمْ ، وَأَنَا بِخَيْرٍ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ،  وَجَعَلَ يَقُولُ : كَيْفَ تَجَرَّأْتُمْ عَلَى الْوَلَدِ ؟  فَقَالَ الْهدْهُدُ الْكَبيرُ : تَوَاضَعْنَا لِلْهُدْهُدِ الصَّغِيرِ ؛ فَتَعَلَّمْنَا مِنْهُ مَانَفَعَنَاَ ؛ فَصِرْنَا جُرَآءَ ، وَتَعَلَّمْنَا مَا نَفَعَكَ أَنْتَ ؛ فَخَلَّصْنَاكَ مِنَ الْوَلَدِ ، ثُمَّ سَأَلَهُ : ” هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ” ؟ فَأَجَابَ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ : لاَ ، وَأَنَا لَنْ أَتَكَبَّرَ عَلَى الْمُعَلِّمِ ، وَلَوْ كَانَ أَصْغَرَ مِنِّى عُمُرًا .. وَيَا أَيُّهَا الْهُدْهُدُ الْمُتَعَلِّمُ ، لَقَدْ خَالَفْتُكَ ، وَرَجَعْتُ الآنَ إِلَى رَأْيِكَ ، وَاحْتَجْتُ – بَعْدَ أَنَ جَرَّبْتُ بِنَفْسِى – إِلَى عِلْمِكَ ، وَأَنَا أُرَشِّحُكَ لِوَظِيفَتَيْنِ : الأُولَى أَنْ تَكُونَ نَائِباً لِزَعِيمِ الْهَدَاهِدِ ، وَالثَّانِيَةِ أَنْ تَكُونَ مُعَلِّماً لِلْهَدَاهِدِ ، فَصَاحَتِ الْهَدَاهِدِ : نَحْنُ مُوَافِقُونَ.

مَقَايِيسُ الاسْتِيعَابِ :

1- افْتَقَدَ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ :

   طَلَبَهُ ؛ فَوَجَدَهُ

   طَلَبَهُ ؛ فَلَمْ يَجِدْهُ

2-اسْتَدَعَى الصَّغِيرَ:

  طَلَبَ حُضُورَهُ

  طَلَبَ عَدَمَ حُضُورِهِ

3-ارْتَاحَ الصَّغِيرُ لِكَلاَمِهِ :

  سُرَّ بِهِ ، وَنَشِطَ

  انْقَبَضَ مِنْهُ ، وَزَعِل

5-عَلِّمْنِى مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً :

    مَا يَضُرُّنِى

    مَا يَنْفَعُنِى

6-تَعَلَّمَ الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ :

  دَرْساً وَاحِداً

درسين

7-الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ:

   تِلْمِيذٌ مُجْـتَهِدٌ

    تِلْمِيذٌ غَيْرُ مُجْـتَهِدٍ

8-الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ كَانَ تِلْمِيذاً

   فَصَارَ مُعَلِّمًا .

9-زَعِيمُ الْهَدَاهِدِكَانَ مُعَلِّمًا

   فَصَارَ تِلْمِيذاً .

10-تَأَخَّرَ الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ

     عَنِ الْهَدَاهِدِ ؛ فَلَمْ يَعْتَذِرْ .

11-مِنَ الدُّرُوسِ الَّتِى تَعَلَّمَهَا

      الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ :

     الْحَذَرُ

    حِفْظُ مَا يتَعَلَّمُهُ

12-مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِى :

     أَحْكِيهِ لإِخْوَتِى ؛ لأَسْتَذْكِرَهُ

     أَحْكِيهِ لإِخْوَتِى ؛ لِيَنْتَفِعُوا بِهِ

13-عِلْمُ الصَّغِيرِ نَفَعَ الْهَدَاهِدَ .