الْهُدْهُدِ المُعَـلِّمُ
خَرَجَتِ الْهَدَاهِدُ فِى الصَّبَاحِ مِنْ أَعْشَاشِهَا ، وَكَانَ مَعَهَا هُدْهُدٌ صَغِيرٌ ، وَنَزَلَتْ تَحْتَ شَجَرَةٍ ، وَلَمْ يَنْزِلْ مَعَهَا الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ ، وَبَدَأَ كُلُّ هُدْهُدٍ يَبْحَثُ عَنْ طَعَامِهِ ؛ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَبْحَثُ فِى نَاحِيَةٍ ، وَيَأْكُلُ مَا يُخْرِجُهُ مِنَ الأَرْضِ . وَنَظَرَ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ إِلَى الْهَدَاهِدِ ؛ فَافْتَقَدَ الصَّغِيرَ ، فَتَسَاءَلَ : كَيْفَ يَغِيبُ الصَّغِيرُ عَنَّا ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ مِنَّا ؟ ثُمَّ أَمَرَ الْهَدَاهِدَ : أَخْبِرُونِى بِهِ عِنْدَ عَوْدَتِهِ إلَيْكُمْ .
ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ كَثِيراً ، وَمَلأَ ضَوْؤُهَا كُلَّ مَكَانٍ ، وَشَبِعَتِ الْهَدَاهِدُ طَعَامًا ، وَوَقَفَتْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ . وَفَجْأَةً جَاءَ الصَّغِيرُ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ ؛ فَرَدَّتِ الْهَدَاهِدُ قَائِلَةً : وَعَلَيْكَ السَّلامُ ، وَرَحْمَةُ اللَّهُ ، وَبَرَكَاتُهُ ، ثُمَّ أَخْبَرَتِ الْهَدَاهِدُ زَعِيمَ الْهَدَاهِدِبِعَوْدَتِهِ ، فَاسْتَدْعَاهُ ، وَسَارَعَ إِلَى اسْتِجْوَابِهِ مُعَاتِباً : كَيْفَ تَغِيب عَنَّا دُونَ إِذْنٍ مِنَّا ؟ فَاعْتَرَفَ الصَّغِيرُ بِخِطْئِهِ ، وَاعْتَذَرَ قَائِلاً : أَنَا آسِفٌ ؛ فَهَزَّ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ رَأْسَهُ مُعْلِنًا قَبُولَ مَعْذِرَتِهِ .
سَأَلَ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ الصَّغِيرَ : أَيْنَ كُنْتَ ؟ فَأَجَابَ الصَّغِيرُ : كُنْتُ فِى مَدْرَسَةِ الْغِرْبَانِ ، فَسَأَلَهُ الزَّعِيمُ : وَأَيْنَ مَدْرَسَةُ الْغِرْبَانِ ؟ فَأَجَابَ الصَّغِيرُ : إِنَّهَا فِى طَرِيقِنَا إِلَى أَعْشَاشِنَا فَوْقَ الشَّجَرَةِ الْعَالِيَةِ . فَسَأَلَهُ الزَّعِيمُ : كَيْفَ سُمِحَ لَكَ بِدُخُولِ مَدْرَسَةِ الْغِرْبَانِ ؟! فَأَجَابَ الصَّغِيرُ : اسْتَأْذَنَ لِى صَدِيقِى الْغُرَابُ الصَّغِيرُ فِى الدُّخُولِ ؛ فَأُذِنَ لِى . وَسَأَلَهُ الزَّعِيمُ : مَاذَا فَعَلْتَ فِى مَدْرَسَةِ الْغِرْبَانِ ؟ فَأَجَابَ : لَعِبْتُ ، وَتَعَلَّمْتُ ، فَقَالَ الزَّعِيمُ : وَلَكِنَّكَ نَقَصْتَ عُمُرًا ، فَسَأَلَهُ الصَّغِيرُ مُتَعَجِّبًا : كَيْفَ ؟! فَأَجَابَ الزَّعِيمُ : لَقَدْ أَضَعْتَ وَقْتَكَ فِى تَعَلُّمِ مَا يَضُرُّكَ ، وَلاَ يَنْفَعُكَ ، فَدَافَعَ الصَّغِيرُ عَنْ نَفْسِهِ قَائِلاً: إِنَّ مَا تَعَلَّمْتُهُ يَنْفَعُنِى ، وَيَنْفَعُ الْهَدَاهِدَ ، وَلاَ يَضُرُّنِى ، وَلاَ يَضُرُّ الْهَدَاهِدَ تَعَلُّمُهُ.
لَمْ يَرْضَ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ- أَيْضاً – عَمَّا سَمِعَهُ مِنَ الصَّغِيرِ ، فَقَالَ لَهُ : نَحْنُ الْهَدَاهِدُ قْد تَعَلَّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا ، وَلاَ يَنْقُصُنَا مِنَ الْعِلْمِ شَىْءٌ ، وكَانَ مَعَ الْهَدَاهِدِ هُدْهُدٌ كَبِيرٌ مُتَوَاضِعٌ ، قَدْ أَحْسَنَ الاسْتِمَاعَ لِمَا دَارَ بَيْنَ زَعِيمِ الْهَدَاهِدِ ، وَبَيْنَ الْهُدْهُدِ الصَّغِيرِ ؛ فَلَمْ يُعْجِبْهُ مَا قَالَهُ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ، فَقَالَ لِلصَّغِيرِ : أَيُّهَا الصَّغِيرُ الْمُتَعَلِّمُ فِى مَدْرَسَةِ الْغِرْبَانِ ، أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ مِمَّا تَعَلَّمْتَهُ ؛ فَارْتَاحَ الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ لِكَلاَمِهِ ، وَقَالَ : سَمِعْتُ مُعَلِّم الْغِرْبَانِ يَقُولُ لِلْغِرْبَانِ : إِذَا رَأَيْتُمْ وَلَداً قَادِمًا عَلَيْكُمْ فَاحْذَرُوهُ ، وَطِيرُوا بِسُرْعَةٍ ، وَلاَ تَنْتَظِرُوهُ حَتَّى يَقْتَرِبَ مِنْكُمْ ، فَسَأَلَهُ صَدِيقِى الْغُرَابُ الصَّغِيرُ : لِمَاذَا نَطِيرُ بِسُرْعَةٍ ، ” وَالْوَلَدُ لَمْ يَنْحَنِ لِيَأْخُذَ حَجَراً ؛ كَىْ يَقْذِفَنَا بِهِ ؟ ” فَأَجَابَ عُمْدَةُ الْغِرْبَانِ :” قَدْ يَكُونُ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ مُمْسِكاً بِحَجَرٍ فِى يَدِهِ ” ، وَيَمْشِى بِهُدُوءٍ فَإِذَا اقْتَرَبَ مِنْكَ رَمَاكَ بِالْحَجَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْحَنِىَ .
أُعْجِبَتِ الْهَدَاهِدُ بِالدَّرْسِ الأَوَّلِ ؛ فَصَاحَتْ : هَاتِ الثَّانِىَ ؛ فَقَالَ الصَّغِيرُ ، : سَمِعْتُ مُعَلِّم الْغِرْبَانِ يَقُولُ : إِذَا هَجَمَ وَلَدٌ عَلَى غُرَابٍ مِنْكُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ ، وَتَعَاوَنُوا جَمِيعاً ، لِتُخَلِّصُوا أَخَاكُمْ مِنْهُ ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ، فَسَأَلَهُ صَدِيقِى : كَيْفَ نُخَلِّصُهُ ؟ فَأَجَابَ المُعَلِّم: تَهْجُمُ الْغِرْبَانُ كُلُّهَا عَلَى الْوَلَدِ ، وَهِىَ تَنْعِقُ ؛ فَيَنْقُرُهُ الْبَعْضُ فِى يَدِهِ ، وَيَضْرِبُهُ الْبَعْضُ الآخَرُ بِالأَجْنِحَةِ عَلَى وَجْهِهِ ؛ فَتُدْهِشُهُ الْمُفَاجَأَةُ ، وَيُحَيِّرُهُ تَجَمُّعُكُمْ حَوْلَهُ ، وَيُزْعِجُهُ نَعِيقُكُمْ بِهِ ، وَيُؤْلِمُهُ ضَرْبُكُمْ لَهُ ؛ فَيَخَافُكُمْ ، وَيَتْرُكُ لَكُمْ أَخَاكُمْ ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ الْوَلَدُ أَنْ يُؤْذِىَ أَىَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ؛ لأَنَّهُ سَيَكُونُ مَشْغُولاً عَنْكُمْ بِالدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهِ .
أُعْجِبَتِ الْهَدَاهِدُ بِما سَمعته مِن الْهُدْهُدِ الصَّغِيرِ، فشَكَرته وَصَفَّقَتْ لَهُ بِأَجْنِحَتِهَا، لكِن زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ لم يتابع الدرس ووقف بعيدا
فَجْأَةً َرَأَى زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ وَلَدًا قَادِمًا مِنْ بَعِيدٍ ؛ فَصَاحَ : الْوَلَدَ ، الْوَلَدَ ؛ فَفَزِعَتِ الْهَدَاهِدُ ، وَطَارَ الْهُدْهُد الْمُتَعَلِّمُ فِى مَدْرَسَةِ الْغِرْبَانِ ، وَتَبِعَتْهُ الْهَدَاهِدُ كُلُّهَا إِلاَّ زَعِيمَ الْهَدَاهِدِ.. فَلَمْ يَطِرْ مِثْلَهَا . وَكَانَتِ الْهَدَاهِدُ قَدْ طَارَتْ ، وَهَبَطَتْ فَوْقَ شَجَرَةٍ ، فَنَادَى الْهُدْهُدُ الْمُتَعَلِّمُ زَعِيمَ الْهَدَاهِدِ: يَا عَمِّ ، هَيَّا طِرْ ، فَقَالَ : سَوْفَ أَطِيرُ عِنْدَ اقْتِرَابِ الْوَلَدِ مِنَ الشَّجَرَةِ ، فَقَالَ لَهُ هُدْهُدٌ كَبِيرٌ : احْذَرِ الْوَلَدَ ، وَخَفْ مِنْهُ ، وَطِرْ ، فَقَالَ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ : إِنَّهُ وَلَدٌ طَيِّبٌ ، وَعَصَاهُ لَيْسَتْ فِى يَدِهِ ، وَلَمْ يَنْحَنِ ؛ لِيَأْخُذَ حَجَراً .. فَلِمَاذَا أَخَافُ مِنْهُ ؟
كَانَ الْوَلَدُ يَمْشِى عَلَى مُهْلَتِهِ ، وَقَبْلَ أَنْ يَقْتَرِبَ مِنَ زَعِيمِ الْهَدَاهِدِ رَمَاهُ بِحَجَرٍ كانَ فِى يِدِهِ ؛ فَأَصَابَ جَنَاحَهُ ، وَحَاوَلَ الزَّعِيمُ أَنْ يَطِيرَ ؛ فَطَارَ قَلِيلاً ، وَوَقَعَ عَلَى الأَرْضِ سَرِيعاً ، وَأَخَذَ يُرَفْرِفُ ؛ فَهَجَمَ الْوَلَدُ عَلَى زَعِيمِ الْهَدَاهِدِ ، وَصَادَهُ ، فَصَاحَ الْهُدْهُدُ الْمُتَعَلِّمُ : أَيَّتُهَا الْهَدَاهِدُ ، هَيَّا بِنَا ؛ لِنَهْجُمَ عَلَى الْوَلَدِ ، وَلِنُخَلِّصَ عَمَّنَا مِنْهُ ؛ فَهَجَمَتِ الْهَدَاهِدُ عَلَى الْوَلَدِ الصَّغِيرِ .. فَكَانَ بَعْضُهَا يَضْرِبُهُ عَلَى وَجْهِهِ ، وَالْبَعْضُ الآخَرُ يَنْقُرُهُ فِى يَدَيْهِ ، وَالْكُلُّ يَصِيحُ ؛ فَدُهِشَ الْوَلَدُ ، وَفَزِعَ مِنَ الْهَدَاهِدِ ، وَخَافَ مِنْهَا ، وَتَحَيَّرَ فِى أَمْرِهَا ؛ فَهُوَ لَمْ يَرَ الْهَدَاهِدَ تَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا مِنْ قَبْلُ ، وَلاَ سَمِعَ بِهِ ؛ فَتَرَكَ الْوَلَدُ زَعِيمَ الْهَدَاهِدِ مُرْغَماً ، وَلَمْ يَمْلِكْ أَنْ يُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ ، بَلْ فَرَّ فِرَارًا سَرِيعًا .
هَبَطَتِ الْهَدَاهِدُ ، وَأَحَاطَتْ بِزَعِيمِهَا ، وَكَانَ بَعْضُهَا يَقُولُ لَهُ : حَمْداً لِلَّهِ عَلَى السَّلامَةِ ، وَالْبَعْضُ الآخَرُ يَقُولُ لَهُ : هَلْ أَنْتَ بِخَيْرٍ ؟ فَكَانَ يَقُولُ : شُكْرًا لَكُمْ ، وَأَنَا بِخَيْرٍ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَجَعَلَ يَقُولُ : كَيْفَ تَجَرَّأْتُمْ عَلَى الْوَلَدِ ؟ فَقَالَ الْهدْهُدُ الْكَبيرُ : تَوَاضَعْنَا لِلْهُدْهُدِ الصَّغِيرِ ؛ فَتَعَلَّمْنَا مِنْهُ مَانَفَعَنَاَ ؛ فَصِرْنَا جُرَآءَ ، وَتَعَلَّمْنَا مَا نَفَعَكَ أَنْتَ ؛ فَخَلَّصْنَاكَ مِنَ الْوَلَدِ ، ثُمَّ سَأَلَهُ : ” هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ” ؟ فَأَجَابَ زَعِيمُ الْهَدَاهِدِ : لاَ ، وَأَنَا لَنْ أَتَكَبَّرَ عَلَى الْمُعَلِّمِ ، وَلَوْ كَانَ أَصْغَرَ مِنِّى عُمُرًا .. وَيَا أَيُّهَا الْهُدْهُدُ الْمُتَعَلِّمُ ، لَقَدْ خَالَفْتُكَ ، وَرَجَعْتُ الآنَ إِلَى رَأْيِكَ ، وَاحْتَجْتُ – بَعْدَ أَنَ جَرَّبْتُ بِنَفْسِى – إِلَى عِلْمِكَ ، وَأَنَا أُرَشِّحُكَ لِوَظِيفَتَيْنِ : الأُولَى أَنْ تَكُونَ نَائِباً لِزَعِيمِ الْهَدَاهِدِ ، وَالثَّانِيَةِ أَنْ تَكُونَ مُعَلِّماً لِلْهَدَاهِدِ ، فَصَاحَتِ الْهَدَاهِدِ : نَحْنُ مُوَافِقُونَ.
مَقَايِيسُ الاسْتِيعَابِ :
1- افْتَقَدَ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ :
طَلَبَهُ ؛ فَوَجَدَهُ
طَلَبَهُ ؛ فَلَمْ يَجِدْهُ
2-اسْتَدَعَى الصَّغِيرَ:
طَلَبَ حُضُورَهُ
طَلَبَ عَدَمَ حُضُورِهِ
3-ارْتَاحَ الصَّغِيرُ لِكَلاَمِهِ :
سُرَّ بِهِ ، وَنَشِطَ
انْقَبَضَ مِنْهُ ، وَزَعِل
5-عَلِّمْنِى مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً :
مَا يَضُرُّنِى
مَا يَنْفَعُنِى
6-تَعَلَّمَ الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ :
دَرْساً وَاحِداً
درسين
7-الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ:
تِلْمِيذٌ مُجْـتَهِدٌ
تِلْمِيذٌ غَيْرُ مُجْـتَهِدٍ
8-الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ كَانَ تِلْمِيذاً
فَصَارَ مُعَلِّمًا .
9-زَعِيمُ الْهَدَاهِدِكَانَ مُعَلِّمًا
فَصَارَ تِلْمِيذاً .
10-تَأَخَّرَ الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ
عَنِ الْهَدَاهِدِ ؛ فَلَمْ يَعْتَذِرْ .
11-مِنَ الدُّرُوسِ الَّتِى تَعَلَّمَهَا
الْهُدْهُدُ الصَّغِيرُ :
الْحَذَرُ
حِفْظُ مَا يتَعَلَّمُهُ
12-مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِى :
أَحْكِيهِ لإِخْوَتِى ؛ لأَسْتَذْكِرَهُ
أَحْكِيهِ لإِخْوَتِى ؛ لِيَنْتَفِعُوا بِهِ
13-عِلْمُ الصَّغِيرِ نَفَعَ الْهَدَاهِدَ .